نص الخطبة الاولى
أعوذُ باللّه من الشيطان الرّجيم، بسم الله الرّحمن الرّحيم، الحمدُ لله ربّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على خير خلقه أبي القاسم محمّدٍ وعلى آله الطيّبين الطاهرين.. الحمدُ لله الذي خلقَ الليلَ والنهارَ بقوّته، وميّزَ بينهما بقدرته، وجعَلَ لكلّ واحدٍ منهما حدّاً محدوداً، وأمَداً ممدوداً، يولجُ كلّ واحدٍ منهما في صاحبِه، ويولجُ صاحبَه فيه، بتقديرٍ منه للعباد فيما يغذوهم به ويُنشِئُهم عليه.. إخوتي أعزّكم الله تعالى، أبنائي وفّقكم الله، آبائي أطال الله عمركم في خيرٍ وعافية، أخواتي أحاطكنّ الله بعنايته، بناتي ألبسكنّ الله تعالى لباس العفاف، أمّهاتي شكر الله لكنّ حُسن التربية الصالحة، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته، أوصيكم ونفسي الأمّارة بالسوء بتقوى الله تبارك تعالى، وإصلاح أنفسنا قبل حلول المنيّة، والوثوق بسعة رحمة الله تعالى، أصلَحَ اللهُ لنا ولكم أمرَ دُنيانا وأُخرانا إنّه نعم المُجيب.
قال الله تبارك وتعالى في سورة الإسراء، بسم الله الرحمن الرحيم: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)، أحببتُ أن أعرض بخدمتكم المعنى المفهوم من هذه الآية الشريفة الكريمة بحسب ظاهرها، قبل ذلك أحبّ أن أنوّه الى مسألةٍ أعتقد أنّها في غاية الأهميّة، ألا وهي أنّ القرآن الكريم نِعْم المربّي والهادي، وهذه الآيات الكثيرة المبثوثة في هذه السور الكريمة التي أنزلها الله تبارك وتعالى، المجموع بما هو مجموع أصبح كتاب هداية، ولذلك فإنّ القرآن الكريم من الكتب التي يحتجّ بها الله تبارك وتعالى علينا، ألم أذكرْ في القرآن؟ ألم أبيّنْ؟ ولذلك من الأشياء التي ستشكو الى الله تعالى هو القرآن الكريم عندما لا يُعمل أو لا يُقرأ به، والنبيُّ الأعظم(صلّى الله عليه وآله) الذي هو أحرصُ على الأمّة من أنفسها، وذكرنا فيما سبق أنّه رحمةٌ للعالمين أرسَلَه اللهُ سبحانه وتعالى، هذه الرّحمة أيضاً أخذ القرآن الكريم من حياته الشريفة أوقات، وبدأ يُهيّئ لنا سُبُل أنْ نبقى على حالة الهداية ولا نميل يميناً ولا يساراً.
ولذلك قرَنَ النبيُّ الأعظم هذا القرآن الكريم بالعترة الطاهرة، فأصبحت هاتان الحجّتان بما لهما من إشاراتٍ شرعيّة واضحة ودلالات شرعيّة، أصبح القرآن الكريم والعترة الطاهرة من موارد انحصار الهداية، ولذا كان لابُدّ بين فترةٍ وأخرى بل دائماً أن لا تغيب عن ذهن الإنسان هذه المَواطن والمنبّهات والمقوّمات له، وهذه الآيات بعضُها يتحدّث عن آيات الأحكام الفقهيّة ولها أيضاً بحوث واسعة وشاسعة تكلّم فيها الفقهاءُ ولا زالوا، وهناك آياتٌ أخرى تعرّض لها المفسّرون أيضاً وبيّنوا تلك الدلالات والنكات العلميّة التي فيها، مع غضّ النظر عن عمق البحثَيْن البحث الفقهيّ والبحث التفسيريّ، لكن في بعض الحالات هناك ظهورٌ لبعض الآيات الشريفة يُمكن للإنسان بالمعنى العامّ أن يستفيد منها بلا أن يكون البحث بحثاً عميقاً للتفسير لأنّ هذا له محلّه، لكن واقعاً الإنسان يبحث عن الآيات بما لها من عمق، حتّى يستنطق الآيات ويستفيد منها استفادةً عُظمى في توجيه سلوكيّاته.
من جملة الآيات الشريفة هذه الآية التي سنتحدّث عنها بشكلٍ موجز، الآية تنهانا عن شيءٍ قالت: (وَلا تَقْفُ...) أي لا تتّبع، ما هو الشيءُ المنهيّ عنه؟ قال: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)، الآية تريد أن تنبّهنا جميعاً الى أنّكم لا تتبعوا ولا تنجذبوا ولا تلاحظوا الأمور بلا عِلْم، هذا الشقّ الأوّل من الآية الشريفة، في الشقّ الثاني بيّنت حالة الجزاء وهو أنّها قالت: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا)، الآية تحتوي على شقّيْن رئيسَيْن:
الأوّل: هو النهيُ عن الاتّباع بغير عِلْم.
الثاني: هو مسألة الجزاء، لأنّ هذه الأعضاء التي نمتلكها وهي أدواتُ المعرفة (السمع والبصر والفؤاد)، هذه هي أدوات المعرفة، بغضّ النظر عن أنّ الفؤاد يُراد منه العقل أو يُراد منه الوجدانيّات أو يُراد منه حالة الإدراك هذا مطلبٌ آخر، لكن هذه الأدوات هي أدوات المعرفة، كيف نكسب المعرفة؟
القرآنُ الكريم يقول: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)، أرجو أن تلتفتوا إخواني لأنّنا سنتحدّث بواقعيّات بمعنى نحن أمام مسؤوليّة، وهذه المسؤوليّة كما تهمّنا شخصيّاً تهمّكم شخصيّاً وتهمّ أبناءنا شخصيّاً وتهمّ الأُسر شخصيّاً، لأنّنا في رحلة وهذه الرحلة الطويلة تحتاج الى تزويدٍ بمصادر ومعارف وأعمال سنعرضها جميعاً يوم القيامة، نحن في هذه الآيات الشريفة هناك أمورٌ مفروغٌ منها، أنّ الإنسان أمامه بعث وأمامه يوم قيامة وأمامه مسؤوليّة، القرآن الكريم في مقام أن يحدّد قال: هناك مجموعة من الوظائف كما في آياتٍ كثيرة ذكرناها سابقاً، من جملة الوظائف القرآن حريصٌ على أن تكون مدركاتُنا مدركاتٍ علميّة.
وبما أنّنا سريعو التأثّر بالأمور غير العلميّة ونرتّب عليها أثراً كأنّها عِلْم، احتجنا أن ينبّهنا القرآن الكريم في أكثر من مورد الى هذه المسألة، أنّ الإنسان يوميّاً تواجهُه مجموعةُ معارف تدخل الى ذهنه من خلال الأُذُن ومن خلال ما يرى ومن خلال ما يقع في قلبه، لو الإنسان الآن يصوّر نفسه يوميّاً يرى أنّ هناك مجموعةً من المعارف ستدخل إليه وينفعل إزاء هذه المعارف، دخول بعض المعارف في بعض الحالات الإنسان قهراً تدخل عليه، ولذلك كان هناك فرقٌ بين السمع والاستماع، فالسمع الإنسان يُقهر على أن يسمع الأشياء مثلاً الإنسان عندما يسير في سوق، سيسمع الكثير من الأشياء تدخل الى أُذُنه بلا أن تكون له قدرةٌ على منعها إلّا أن يصمّ آذانه، وما دامت هذه الأداة مهيّأة فوظيفة الأُذُن أن تسمع وتسمع كلّ شيء، المسؤول عن تشذيب هذه الأشياء وفلترتها بتعبيرٍ آخر ليس الأُذُن، ولذلك الأُذُن تسمع كلّ شيء حتّى أنّ الفقهاء يفرّقون بين السماع والاستماع، فالإنسان إذا سمع آية السجدة قالوا: لا يجب عليه السجود، تارةً يستمع الى آية السجدة فالاستماع حالة من التوجّه، أي أنّي أعيرُ سمعي أهميّةً فأستمع وأتوجّه الى أن أستمع لهذا الحديث دون غيره، أمّا السمع فهو يدخل الى الآذان بإرادة ما أُريد أن أسمع وما لا أُريد أن أسمع، الإنسان ينأى بنفسه أن يستمع الى كلمة الفحش -والعياذ باللّه- لكن الإنسان يسمعها، عندما يأتي الى طريق أو أناسٍ يتكلّمون بهذا الكلام فالكلام يدخل الى أُذُنه، فإذنْ القرآن الكريم لا ينهانا عن قضيّة السمع لأنّ قضيّة السمع قد لا تكون بأيدينا دائماً وإنّما هي عمليّة قهريّة، إذنْ أين يكونُ النهي؟ القرآنُ في أيّ موردٍ ينهانا؟ القرآن ينهانا إذا كانت هذه الأدوات عندما يدخل لها كلُّ شيء ونرتّب الأثر على كلّ شيء، القرآن الكريم منَعَنا ونهانا قال: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ).
الأشياءُ التي فيها عِلْم لها حسابُها –أرجو أن يكون كلامنا واضحاً- الآن الآية في مقام النهي عن غير العِلْم، أمّا قضيّة العِلْم فلها موردٌ آخر، الآية في مقام أن تنهى وليست في مقام أن تُثبت العِلْم بل تنهى عن غير العِلْم، وهناك فرقٌ بين الأمرَيْن حتّى لا يكون هناك خلطٌ بين ما نريد أن نبيّنه، الآية الآن في مقام النهي عن غير العِلْم، لأنّ الآثار الوخيمة التي يحصدُها الإنسان من غير العِلْم آثارٌ هائلة عليه، وهذه مشكلتُنا حقيقةً أنا أتكلّم -كما قلتُ- بشكلٍ واقعيّ، الآن وسائل المعرفة دخلت الى بيوتنا ودخلت الى عمق أنفسنا، ويوميّاً الإنسان وكلّ واحدٍ منّا يسمع عشرات بل مئات المعلومات، وعندما يدقّق وعندما يفحص يجد أنّ أغلب هذه الأمور لا يستطيع الإنسان أن يتبيّنها ويفهمها، بالعكس قد تكون هذه الأشياء الأكثر منها هي عن غير عِلْم.
الإشكال عندما يرتّب الإنسان على هذه الأمور مواقف وتكون هذه المواقف صعبة، وسأذكر بعض الآيات التي تُعطينا صورةً مرعبة عن مسألة هذا التأثير بغير العِلْم، فالقرآن الكريم في آيةٍ أخرى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا..) هذه الآية غير تلك الآية، هذه الآية تأمرنا أن نتبيّن حتّى تكون عندنا بيّنة ويكون عندنا وضوح بهذا الخبر، لماذا؟ قال: (..أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)، أي إذا أنت لم تتبيّنْ سترتّب الأثر على أخبارٍ يأتي بها فاسق، أو يأتي بها مجهولٌ أو يأتي بها من يأتي وترتّب الأثر، ثمّ بعد ذلك يكون لا واقع لهذا المنقول أصلاً، وأنتم تعلمون إخواني بآفة اللّسان، وهناك أسباب تجعل الإنسان يتكلّم، من جملة الأسباب أنّ الإنسان يتكلّم عن بُغضٍ أو يتكلّم عن حسدٍ أو عن سوء ظنّ، يرمي الكلام والكلام ليس له واقع، اليوم المسألة أكثر إشكالاً فالإنسان إذا كان يتكلّم شفاهاً قد يسمعه واحدٌ وقد يسمعه اثنان أو أكثر، اليوم أصبح الموضوع في هذا الزمان أكثر إشكالاً، الإنسان عندما يكتب ويتكلّم قد يسمعه الآلاف، وهؤلاء لأنّهم لم يتربّوا على قضيّة التحرّز ولم يلتفتوا الى أنْ (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) سيؤثّر هذا الكلام عندهم ويتبنّون شيئاً وهو ليس له واقع.
القرآن الكريم هنا ينبّه الى هذه القضيّة قال: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ..) وسائل وأدوات المعرفة (...كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُوْلًا)، لا تعتقد أنّ هذا الأثر سيُنسى، مستحيل.. في مقام المسؤوليّة الإنسان يتوجّه له سؤال، الإنسان لا يعرف فلاناً ولا يجلس معه ولا يعرف منزلته ولا يتحدّث معه، لكن عرفه عن طريق النقل والقال وعن طريق عدم التحرّز والتورّع، وأصبحت له مواقف ومواقف ليس لها واقع، مشاكل كُبرى سياسيّة واجتماعيّة واقتصاديّة وأسريّة ناشئة لأنّ الناس تتّبع وتقفو ما ليس لها به عِلْم، القرآن يقول (وَلا تَقْفُ) والناس تقفو ما ليس لهم به عِلْم، ولذلك تحدث الكثير من المشاكل، والإنسان بعد ذلك -التفتوا الى نقطة وهذه النقطة وجدانيّاتها معها-، أنّ الإنسان في بعض الحالات عندما يتعوّد على أن يستمع الى الكلام السيّئ، ثمّ يعلم بداخله أنّ هذا الكلام لا واقع له لا يملك الشجاعة على أن يعترف، لماذا؟ لأنّ نفسه أصبحت تتعوّد على الأشياء غير الجيّدة، ولذلك الإنسان عندما يتوب لابُدّ أن يتوفّق للتوبة في أوّل حالة، إذا سوّف فتسويف التوبة من جهةٍ شرعيّة غير جائز ومن جهةٍ أخلاقيّة غير نافع، الإنسان يسوّف وإذا سوّف تعوّد على الأشياء غير الجيّدة، وسيكون عنصراً سيّئاً من حيث لا يعلم، هذا غير الحسابات الأخرويّة لاحظوا الحسابات الأخرويّة في سورة فصّلت، لاحظوا هذا المقطع المروّع الذي تستعرضُه هذه الآية (حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
حقيقةً –إخواني- نحن عندنا قسوةٌ مع أنفسنا، والله هذه الآيات تُبكي الصَّخْر، فنحن لابُدّ أن نُشفق على أنفسنا، أنتم تعلمون أنّ الله تعالى لا يحتاج الى شاهدٍ يومَ القيامة، لكن مع ذلك لاحظوا العدل الإلهيّ كيف يجعل من أنفسنا نشهدُ على أنفسنا، هذا السمع في آية سورة الإسراء التي تقدّمت هو مسؤول، السمع والبصر والفؤاد مسؤول، معنى مسؤول أي يُقدّم ما عمل أمامَ الله تعالى، ما هو عملُك الذي أدّيته؟ يقول: هذا. ويأتي العبد الذي يحمل البصر والفؤاد منكّساً رأسه ومطأطئاً رأسه، تارةً ليس خَجِلاً في القيامة فالإنسان يخجل في الدنيا لكن الآخرة خجلها قد لا ينفع لأنّ هناك وقت الجزاء، قال: (شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
لاحظوا إخواني حال ابن آدم (قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ)، يريد أن يتخلّص لأنّه يرى أنّ هناك مشكلة أمامه وهي النار، لاحظوا هذا الخطاب (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا) لا يقولون لمَ كذبتُم علينا؟ التفتوا للعبارة وكيف أنّ القرآن دقيق، لا يقولون لمَ كذبتُم علينا؟ لأنّه لا كذب في ذلك، بل قالوا: لمَ شهدتُم علينا؟ القضيّة لها واقع وهؤلاء يُعاتبون (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، واقعاً الإنسان يُصاب بغرور، أنا عندي الآن مُكنة سياسيّة اجتماعيّة اقتصاديّة فأنسى، ولذلك أنا أتكلّم وأحطّ من قَدْر الناس، وأعتقد أنّ هذا أمرٌ صحيح!!
أنا سبق وأن عرضتُ بخدمتكم أنّ الله لا يستعجل بعَجَلة العباد، لأنّ الله لا يفوته شيء، الإنسان يعمّر عشرين، ثلاثين، مائة، مائتين، ألف سنة، بالنتيجة سيأتي الى (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ)، لاحظوا والتفتوا ثمّ قال: (وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَٰكِن ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ)، الإنسان لا يعرف زيداً من الناس ويحسدُه بلا سبب، الحاسدُ نفسيّته مريضة يحسد الآخر ويتكلّم عليه، سيأتي سمعُه سيأتي بصرُه سيأتي فؤادُه سيأتي جلده ليشهد عليه يوم القيامة، (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ)، يريدُ كلٌّ منّا أن يدفع عن نفسه مشاكل يوم القيامة لكنّه لا يستطيع، يقول في الدنيا القرآن يصحر والسُّنّة المطهّرة تصحر والعُلماء يبيّنون والمفسّرون يبيّنون، وأنتم تقرأون القرآن لا تمرّوا على هذه الآيات مرورَ الكرام، الإنسان إذا سمع اللّغو يمرّ مرّ الكرام أمّا إذا سمع النصيحة وسمع آيات الله كيف يمرّ عليها مرورَ الكرام؟! لابُدّ أن يمرّ عليها مرورَ المتأمّل، مرورَ الذي يريد أن يسمع ليعي، أنا أُشفق -بيني وبين الله تعالى- على أنفسنا أوّلاً، فكلّ إنسانٍ نفسُه عزيزة وعليه أن يخاف عليها، أخاف على شبابنا الآن هناك ثقافات متباينة حتّى أنّك تريد أن تنصح البعض لا يسمع، لأنّ هذه الآذان تشبّعت بشمعٍ من المعصية والرذيلة والكلام السيّئ، أصبح الكلامُ الطيّب لا يدخل الى هذه الآذان بسهولة، يجد هناك صعوبة فلابُدّ أن يسبح إزاء هذه المنعطفات المتعرّجة الى أن يصل الى دماغ هذا الشخص.
القرآن يقول (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) أنّ الإنسان لا يستعجل، هذا الأمر لا يُعجبني!! فلان لا يُعجبني شكله!! ولا يُعجبني منطقُه!! فلابُدّ أن أهتك هذا الشخص!! علامَ؟ أنّي مجرّد أن أسمع أرتّب الأثر على السماع!! ثمّ بعد ذلك أنت عندما تخرج من فيك هذه الكلمة ويسمعها العشراتُ بعد ذلك كيف تتخلّص من هذه المشكلة؟ كيف؟! الدين متوقّف الى أن تتكلّم جنابك؟!! الكرة الأرضيّة إذا لم تتكلّم سيُصيبها شيء؟!! ارفقْ بنفسك فلا أحد يقوى على يوم القيامة، لا أحد يقوى على تلك اللحظات، يوم يفرّ المرءُ من كلّ أحدٍ حتّى أمّه وأبيه، هؤلاء الذين نجد لنا ملاذاً نلجأ إليهم في الدنيا ونراهم ملجأ أمانٍ لنا نفرّ منهم يوم القيامة، إخواني رفقاً بأنفسنا وأنا أتكلّم وأخاطب نفسي أوّلاً وأخاطب الإخوة الذين يسمعون، رفقاً بأنفسنا فالإنسان عنده معارف يوم القيامة سيُسأل عن كلّ شيء، (قلْ خيراً أو اصمتْ) هذه تعاليم أهل البيت(عليهم السلام) كيف نجعلها خلف ظهورنا؟! لأنّي أنا أرى الأمر هكذا فلابُدّ أن أتكلّم، الله تعالى لا يستعجل كلّا.. ثمّ يأتي يوم القيامة ذلك اليوم العظيم الرهيب وقرأنا الآية... لعلّنا نعاود الكرّة فيما لو أبقانا الله تعالى على أمورٍ أيضاً تتعلّق بهذا الجانب.
نسأل الله سبحانه وتعالى السداد والتوفيق وأن يحمينا ويحميكم جميعاً من كلّ سوء، وأن لا يجعلنا نقفو إلّا ما فيه عِلْم، سائلين الله تبارك وتعالى أن يحصّننا ويحصّنكم من كلّ سوء، وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّدٍ وعلى آله الطيّبين الطاهرين.
الخطبة السابقة